ما هو سقف الجمهورية؟
من الواضح أن أزمة حكم ونظام مفروضة على اللبناني اليوم، وهذه الأزمة باتت تضعنا أمام خيارات صعبة قد يكون أحلاها مرّ، ولكن من المؤكّد أن حتى أحلاها غير واضح المعالم.
يتحكّم حاكم مصرف لبنان وكارتيلات الإحتكار بالوطن من بابه إلى محرابه، ثم يتظاهر البعض ليعترض على عناوين أخرى غير متعلّقة أبدًا بواقع الحال، خصوصًا عندما يأتي الحديث على سلاح المقاومة ووجوده، في وقتٍ تُغرّد أزماتنا في أماكن أخرى على الشكل التالي:
أولًا: الأزمة الإقتصادية
يعيش لبنان أزمة إقتصادية واضحة كانت تُغطّى منذ اتفاق الطائف بالعديد من المؤتمرات التي عُقدت، كمؤتمر “باريس” بجميع أشكاله، وبعض الهبات التي كانت كفيلة بقلب الطاولة حينًا وترتيب التفاهمات أحيانًا.
ومن المؤتمرات التي ضربت الإقتصاد الوطني إلى المؤامرات التي ضربت عمق النظام الإقتصادي، فكان المصرف والمصارف وجوقة الإعلام المحيطة به مع مجموعة مستشارين وسياسيين يعزفون “سمفونية” واحدة، في وقتٍ كان المعلّم الأكبر والمتمثّل بالحاكم الخارجي لهذه الجوقة، يخطّط للإنقلاب الأكبر على الإقتصاد.
هنا لا أحد ينكر أن لسلاح “حزب الله” دور، ولكن الدور هو ضرب الإقتصاد والوطن من أجل إسقاط سلاح المقاومة، ما يعني إسقاط أحد أعمدة الوطن (جيش، شعب، مقاومة)، وبالتالي نفهم اليوم أن إسقاط الإقتصاد هو من أجل إسقاط المقاومة، ما يعني أن معالجة الأزمة الإقتصادية يجب أن تتم بعيدًا عن محاربة المقاومة، لأن المقاومة حقّ لكل لبناني في بيئته، وسقف الجمهورية الإقتصادي مطلوب من المقاومة حمايته، وهذا ما قد نُقبل عليه قريبًا بحسب الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الذي تحدّث بوضوح عن أزمة المشتقات النفطية، ولكن الشعب ينتظر التنفيذ لتحمي المقاومة الإقتصاد.
ثانيًا: الأزمة المذهبية
يتمثّل النظام اللبناني بجمهورية برلمانية، وبالتالي هو شراكة في الحكم بين البرلمان ورئيس الجمهورية وكل ما ينبثق دستوريًا منهما كرئاسة الحكومة.
من هنا أتت التقسيمة المذهبية لتحدّ الواقع اللبناني بخباياها المتعدّدة، ومن خلفها أتى الصراع على الحصص ليرتقي بالخطاب المذهبي إلى أعلى المستويات. هنا لا بد أن نتحدّث لغة المواطن الذي يسأل عن سقف الجمهورية وسقف سلاح المقاومة فيها، لنحدّد المعايير في هذه الأزمة المذهبية.
برلمانيًا السقف اليوم للمقاومة بحلفاء الخط الأساسيين، أي الثنائي الشيعي وحلفاءهم دون “التيار الوطني الحر” المتفاهم معهم. هذا الأمر يعني أن الأزمة الطائفية لا يستطيع الحزب وحلفاءه قضم الوطن من خلالها، وبالتالي هم لا يؤثرون في هذه المعادلة سوى بالميثاقية، وهنا حدّد سقفها أمين عام “حزب الله” عندما ذكّر بعدم وجود جدوى من ضرب هذه الميثاقية وإسقاط البرلمان طالما أن الأزمة في مكان آخر، وبالتالي لا يتأثر الوطن بحجم هذا الفريق بل يتأثر بالأزمة المذهبية.
ثالثًا: الأزمة الأخلاقية في الحكم
“العدل أساس الملك”، من هنا تأتي الأخلاق أي من العدل. إن سقف الحكم في لبنان في ظل ما نواجهه من فجور سياسي، يوضح أن أزمة حكم أخلاقية تضرب بعض القوى السياسية، فالإنهيار قائم ويتمدّد ولكن أخلاقيات البعض لا تسمح لهم بالتنازل من أجل تشكيل حكومة.
هنا يجب أن نبحث عن “الخلوقين” في هذه المنظومة لنتعامل معهم، ولكن تأتي الإشكالية التالية:
نتيجة الأزمة المذهبية التي أوضحناها أعلاه، بالتوازي مع الأزمة الأخلاقية في الحكم، تضعنا أمام أزمة حكم أخلاقية مذهبية تبعاتها تصب في عمق النقطة رقم ١ أي الأزمة الإقتصادية. وعندما نبحث عن الرابط بين النقاط الثلاث، نجد أن الشركاء المذهبيين في الحكم هم مذهبيون بشكل علني وتشاركوا المنفعة من الحكم في التركيبة الإقتصادية، ولكن فرّقتهم الحصص الداخلية في التركيبة المذهبية في ظل غياب أخلاقيات الحكم الرئيسية.
من هنا نستنتج أن الأزمة في لبنان محدودة بسقف الجمهورية وليست محدودة بسقف وجود سلاح للمقاومة كما يدّعي البعض. وإنطلاقًا منه نحن مع الثورة على العناوين الأساسية التي تبني هذه الدولة، كالأزمة الإقتصادية، الأزمة المذهبية والأزمة الأخلاقية في الحكم. وعندما نصل إلى هذه النقاط الثلاث، سنجد الوطن برمّته تحت سقف الجمهورية.
زكريا حمودان